وقبل الشروع في الحديث عن الأسباب والعوامل، التي تؤدي إلى التفكك، ينـبغي
تحديد مفهوم التفكك الأسري وتحديد أنماطه. مفهوم التفكك الأسري لم يتفق علماء النفس الاجتماعي على تحديد مفهوم التفكك الأسري، كما لم يتفقوا حول تسمية المفهوم ذاته. فمنهم من يستخدم مفهوم "التفكك الأسري" ليعني فقدان أحد الوالدين أو كليهما أو الهجر أو الطلاق أو تعدد الزوجات أو غياب أحد الوالدين مدة طويلة. فيما يستخدم آخرون مفهوم "البيوت المحطمة" ليعني البيوت التي يحطمها الطلاق أو الهجر أو موت أحد الوالدين أو كليهما. ويستخدم فريق ثالث مفهوم "التصدع الأسري" ليشير إلى تصدع الأسرة جراء تعدد الزوجات أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما. فيما يذهب فريق آخر لاستخدام مفهوم "الأسر المحطمة" ليعني الأسر التي حطمها الطلاق أو الشجار المستمر أو الوفاة أو سجن أحد الوالدين أو غيابه لمدة طويلة
تحديد مفهوم التفكك الأسري وتحديد أنماطه. مفهوم التفكك الأسري لم يتفق علماء النفس الاجتماعي على تحديد مفهوم التفكك الأسري، كما لم يتفقوا حول تسمية المفهوم ذاته. فمنهم من يستخدم مفهوم "التفكك الأسري" ليعني فقدان أحد الوالدين أو كليهما أو الهجر أو الطلاق أو تعدد الزوجات أو غياب أحد الوالدين مدة طويلة. فيما يستخدم آخرون مفهوم "البيوت المحطمة" ليعني البيوت التي يحطمها الطلاق أو الهجر أو موت أحد الوالدين أو كليهما. ويستخدم فريق ثالث مفهوم "التصدع الأسري" ليشير إلى تصدع الأسرة جراء تعدد الزوجات أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما. فيما يذهب فريق آخر لاستخدام مفهوم "الأسر المحطمة" ليعني الأسر التي حطمها الطلاق أو الشجار المستمر أو الوفاة أو سجن أحد الوالدين أو غيابه لمدة طويلة
وقد يعزى تعدد التسميات المذكورة لمفهوم التفكك الأسري إلى ترجمة المفاهيم الأجنبية. ولكن على الرغم من ذلك فثمة عناصر مشتركة في ما تتضمنه تلك التسميات من معان تتعلق بالطلاق أو الموت أو الهجر أو الغياب طويل الأمد لأحد الوالدين. ويمكن إضافة عناصر أخرى للمفهوم تتعلق بالفقر وعمل الوالدين، وعدم قدرتهم على تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة، وارتكاب أحد الوالدين أو كليهما الرذيلة. ولأغراض الكتاب الحالي، فإن مفهـوم التفكك الأسري يشير إلى اختلال السلوك في الأسرة، وانهيار الوحدة الأسرية، وانحلال بناء الأدوار الاجتماعـية لأفـراد الأسرة، جـراء عدد من العوامل أو الأسباب، لعل أبرزها: عدم الالتزام ببعض الأسس الشرعية للزواج ابتداء، والمشكلات الأسرية، وفشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة، والفقر والبطالة،
وعمل المرأة، ووجود الخدم في الأسرة، والطلاق، والخيــانة الزوجيــــة، وتحديات العولمة والإعلام، والزواج بغير المسلمة. أنماط التفكك الأسرييمكن
تصنيف أنماط التفكك الأسري في ما يلي
أ- التفكك الأسري الجزئي الناتج عن حالات الانفصال والهجر المتقطع، حيث يعود الزوجان إلى الحياة الأسرية، غير أنها تبقى حياة مهددة من وقت لآخر بالهجر أو الانفصال. ب- التفكك الأسري الكلي الناتج عن الطلاق أوالوفاة أو الانتحار أو قتل أحد الزوجين أو كليهما. وثمة تصنيف آخر للتفكك الأسري على النحو التالي:
أ- التفكك النفسي الناتج عن حالات النزاع المستمر بين أفراد الأسرة وبخاصة الوالدين، فضلاً عن عدم احترام حقوق الآخرين والإدمان على المخدرات والكحول ولعب القمار.
ب- التفكك الاجتماعي الناتج عن الهجر أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو الغياب طويل الأمد لأحد الوالدين. وقد يضاف إلى ذلك غياب العدل في حالات تعدد الزوجات. كما يمكن تصنيف التفكك الأسري إلى نمطين هما
أ- التفكك الاجتماعي الناتج عن الانفصام أو النزاع بين أفراد الأسرة أو الصراع فيها.
ب- التفكك القانوني الناتج عن انفصام الروابط الأسرية عن طريق الهجر أو الطلاق. وثمة تصنيف
رابع يحدد أنماط التفكك الأسري في التالي:
أ- الانحلال الأسري الناتج عن الانفصال أو الهجر أو الطلاق أو غياب أحد الوالدين عن المنزل لفترة طويلة يوميًا.
ب- الأزمة الأسرية الناتجة عن الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين، بسبب الوفاة أو الكوارث (كالحرب والفيضانات...الخ) أو دخول السجن.
جـ- التغـير في الأدوار الاجتماعية الناتـجة عـن التـغـيرات الثقـافيـة، مما يؤدي إلى الصراع بين الآباء والأبناء
(لا سيما مرحلة الشباب).
د- الخلافات الأسرية التي تنشأ عن الفشل في أداء الدور نتيجة الأمراض العقلية أو النفسية، كالاضطرابات العقلية والنفسية والحالات الجسمية المزمنة والخطيرة لأحد أفراد الأسرة.
هـ- أسر "القوقعة الفارغة"، حيث يعيش الأفراد في أسرة واحدة غير أنهم يفشلون في إقامة علاقات طيبة بينهم، وتبقى علاقاتهم العاطفية ضمن الحدود الدنيا. من أسباب التفكك الأسريعني ديننا الحنيف بالأسرة عناية فائقة. وإذا أرادت الأسرة أن تعيش حياة كريمة وتحقق غايتها الأسمى، فمن واجبها أن تعيش في نور القرآن وهدي السنة النبوية الشريفة وعدل الإسلام. ذلك أن الالتزام بالأسس الشرعية للزواج وبأحكام الدين الحنيف يكفل للأسرة استقرارها وأمنها ونيلها العيش الكريم والسعادة والرفه. غير أن الأسرة المسلمة في عالمنا المعاصر تعرضت إلى تحديات ومشكلات غير مسبوقة. وقد وجدت نفسها في وضع يكاد يكون مربكًا، لمسه المربون وشكا منه الأزواج. وترجع مظاهر التفكك الأسري إلى أسباب وعوامل متعددة ومتشابكة ومتداخلة يصعب حصرها. فثمة عوامل دينية واقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية وقيمية وفكرية واستعمارية وغيرها، تهيئ أسباب التفكك الأسري وقد تؤدي إليه. هذا وسنعرض في هذا الفصل، لأبرز
أسباب التفكك الأسري.
أولاً: عدم الالتزام ببعض الأسس الشرعية للزواج ابتداءً: لا بد أن يبنى الزواج على أسس شرعية حتى يكون بناؤه صلبًا، ينعم في ظله الزوجان بالمودة والسعادة، ويكون من ثماره الذرية الصالحة. ومن هذه الأسس الشرعية ما يتعلق باختيار الزوجة الصالحة واختيار الزوج الصالح والرضا الزواجي. ومما لا شك فيه أن حسن الاختيار له دور حاسم في مستقبل الحياة الزوجية واستقرارها وأمن الأسرة وسلامة النسل. وقد ورد
عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم"
ففي مجال اختيار الزوجة الصالحة يقول تعالى في كتابه العزيز: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } (البقرة:221)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"
وفي ذلك توجيه المقبلين على الزواج لاختيار الزوجة على أساس الدين والعقيدة، دون المعايير الأخرى من مال وحسب وجمال، حتى تبنى الأسرة على أسس متينة ثابتة. غير أن الممارسات الواقعية تشير إلى أن اختيار الزوجة لا يبنى، في أغلب الأحوال، على الأسس الشرعية من حيث اعتماد معيار الدين أساسًا في الاختيار، بل تحول هدف معظم المقبلين على الــزواج إلى المـعــاييــر الأخــرى كجــمــال المــرأة والمكــاســب المــادية أو الاجتماعية التي سيحققها الزواج والمصاهرة. وغدا الزواج مشروعًا ماديًا دون الغاية الأسمى وهي تكوين الذرية الصالحة والتحصين من المفاسد. ويحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من اختيار الزوجة على أساس آخر غير الدين بقوله:
"من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرًا، ومن تزوج إمرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج إمرأة ليغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك فيه"
وقــد ورد عــن النــبي صلى الله عليه وسلم قـوله:
"إياكم وخضـراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء
وفيما يتعلق باختيار الزوج، ينصح الإسلام باختيار الزوج ذي الدين والخلق، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"
وقال رجل للحسن بن علي:
"إن لي بنتًا، فمن ترى أن أزوجها له؟ فــقــال: زوجـــهـا مـمـــن اتقى الله، فإن أحبــها أكــرمها وإن أبغــضها لــم يظلمها".غير أن الممارسات الواقعية تشير إلى أن الدين لم يعد معيارًا لتقيــيم أهليــة الشــاب المقبل على الــزواج، بعد أن تحول الزواج، كما أسلفت، إلى مشروع مادي واجتماعي. فقد أصبحت الأهلية للزواج مرتبطة، في معظم الأحيان، بوظيفة الزوج ومكانته الاجتماعية، وراتبه الشهري ورصيده في البنك، وممتلكاته وقدرته على الإنفاق على الزوجة وأسرتها بسخاء. وبذا لم يعد مفهوم الزواج في الأسر المسلمة مختلفًا عنه في الأسر غير المسلمة، نظرًا لضياع المقاصد الشرعية من الزواج، الأمر الذي سرعان ما يفضي إلى تفكك البناء الأسري. وقد حث الإسلام على ضرورة قبول الزوجين ورضاهما عن بعضهما بعضًا لتدعيم الاستقرار الزواجي والبناء الأسري. فالزواج يحقق السكن والمودة والرحمة، مصداقًا
لقوله تعالى: {ومــن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (الروم:21).. ويرتبط الرضا الزواجي بالمحبة المتبادلة بين الزوجين. أما سوء التوافق بين الزوجين وفقدان حالة التوازن في العلاقة الزوجية فيؤدي إلى عدم الرضا الزواجي وصعوبة دوام المعاشرة بين الزوجين، وبالتالي انهيار الزواج وفشله. كما يرتبط الرضا الزواجي بالمنظومة القيمية للزوجين، فقد يعلق بعض الأزواج فشل العلاقة الزوجية وعدم قدرته على توفير الحياة الأسرية الناجحة على شماعة معتقداته بأن
"وجه زوجته نحس عليه"،
مما قد يؤدي إلى نفور الزوجة وانطوائها ومشاحناتها مع زوجها ومع أفراد الأسرة والآخرين. وتتفاوت الآثار السلبية الناتجة عن سوء الاختيار وعدم الرضا الزواجي تبعًا للفروق القيمية والعمرية والثقافية بين الزوجين والانتماء الطبقي الاجتماعي لهما، مما قد يولد الشعور بالظلم لدى الزوجة وسوء معاملة الزوج لها، وأشكال العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها من مظاهر عدم الاستقرار الزواجي الذي قد ينتهي بالطلاق في معظم الأحيان. ثانيًا: المشكلات الأسرية: قد تتخلل الحياة الأسرية مشكلات تؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الزوجين وإلى السلوكات الشاذة والتعاسة الزوجية، مما يهدد استقرار الجو الأسري والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة. ويصدر النزاع والشجار عن أزواج غير متوافقين مع الحياة الزوجية، نظرًا إلى عــدم وضـــوح دور كل منهما وتفكــك شبكة العــلاقــات بينــهما، مما يؤدي إلى شعور الزوجين بخيبة الأمل والإحباط والفشل والغضب والنزاع والشجار.ويعد النزاع والشجار المتكرر بين الزوجين عاملاً رئيسًا في التفكك الأسري. ولا شك أن حالات النزاع والخصومة التي تجري على مرأى من الأبناء تترك بصماتها على شخصياتهم؛ فنجدهم يهربون من جو الأسرة المضطرب المشحون بالخوف والقلق والصراع، وعدم الاستقرار، باحثين عن بديل يتقبلهم وينتمون إليه ويصبحون أعضاء فيه. وفي أغلب الأحوال يكون هذا البديل هم رفاق السوء الذين يعلمونهم العادات السيئة والسلوكات المنحرفة، فيصبحون عناصر هدم بدلاً من أن يكونوا عناصر بناء ومصدر سعادة لأسرتهم ومجتمعهم. كما أن تكرار النزاع بين الوالدين على مرأى من الأبناء ينعكس على نموهم النفسي، وقد يكون سببًا في
حالات التمرد والعصيان على الوالدين أو على أحد الوالدين
الذي يكون أشد ظلمًا أو أكثر قسوة من وجهة نظرهم، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث شرخ بين الآباء والأبناء وشيوع الفوضى داخل الأسرة الواحدة، قد تنتهي بتفرق شمل الأسرة وتشرد الأبناء وضياعهم والشعور بالكراهية والحقد والرغبة في الانتقام من الوالدين والمجتمع بشكل عام. وتشير نتائج الدراسات إلى أن أبناء الأسر المفككة الذين يعيشون في مناخ أسري مضطرب يسوده الشقاق وعدم الترابط كانوا أقل ثقة بأنفسهم، وأكثر قلقًا وتوترًا، وأقل توافقًا في علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين، وأكثر رفضًا للحياة الأسرية التقليدية من نظرائهم الذين يعيشون في أسر مترابطة متحابة يسودها الأمن والتضحية والتعاون ووضوح الأدوار
وقد أجــاز الإســلام للزوج أن يجمع بين أربع زوجــات فـقط. فإذا تزوج أكثر من واحدة، وجب عليه أن يعدل بين زوجاته فيما يقدر عليه من التسوية. وللتسوية بين الزوجات قواعد وأصول حددها الإسلام. ويذكرنا سبحانه وتعالى بأن إقامة العدل بين الزوجات ليست مهمه سهلة، قال الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} (النساء:129)، ويؤدي عدم العدل بين الزوجات، عند التعدد، إلى نشـوء الخــلافات الأسرية واضطراب المناخ العـائلي وظـهــور
أشكال الحقد والحسد والانتقام بــين أفراد الأسرة الواحدة.
ويعد الإدمان على المخدرات أو الكحول مشكلة تهز بناء الأسرة بأكملها، ولا يقتصر أثرها على المدمن فحسب. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة التفكك الأسري في أسر المدمنين تزيد على سبعة أضعافها في أسر غير المدمنين. فكما هو معلوم، فإن المدمن يفقد القدرة على القيام بأعباء الأسرة وأعباء العمل جراء تدهوره صحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، فيفقد العمل والأصدقاء والصحة والأسرة، ويصبح عبئًا على الأسرة وعامل هدم لبنائها.
كما قد تنشأ الأزمات الأسرية جراء حالات الاضطرابات العقلية والنفسية والأمراض المستعصية التي قد يصاب بها أحد أفراد الأسرة، مما قد ينعكس سلبًا على بقية أفراد الأسرة. فتسود الأسرة مشاعر الاكتئاب والإحباط واليأس من الحياة وفتور العلاقات الأسرية.
ثالثًا: فشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة لأبنائهم:
وعلى الوالدين أن يدركا عظم المسؤولية الملقاة عليهما تجاه أبنائهم. وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"
فالرجل والمرأة مسؤولان عن تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة السليمة وإنماء شخصياتهم. والأسرة عمومًا تمثل أول مجموعة مرجعية ينتمي إليها الطفل ويقتدي بها وتلبي حاجاته وتعلمه القيم والاتجاهات الاجتماعية المرغوبة. فهي المسؤولة عن إشباع حاجاته البيولوجية والفسيولوجية من طعام وشراب وماء، أما إذا فشلت الأسرة في إشباع تلك الحاجات، فلن يتحقق النمو النفسي السوي. فالفقر والعوز يلعبان دورًا هامًا في اضطرابات الشخصية، قد تنعكس على صورة سلوكات إجرامية كالسرقة وحيازة الأسلحة والتهريب وتعاطي المخدرات وغيرها. وعلى الوالدين تأكيد قيمة العمل ومساعدة أبنائهم في الحصول على عمل شريف يؤمن لهم الحياة الكريمة، مع ضرورة عدم إجبارهم على العمل في سن مبكرة، كالبيع على الأرصفة والعمل في الأماكن الصناعية بما لا يناسب سنهم وبما قد يعرضهم إلى سوء المعاملة والاستغلال، لأن ذلك يزيدهم فقرًا وجهلاً.
والأسرة هي المسؤولة عن إشباع الحاجات العاطفية الوجدانية للأبناء كالعطف والشفقة والحب والعدل بين الأبناء والبنات، وتحريرهم من المخاوف والقلق وكل ما من شأنه أن يهدد أمنهم النفسي. فيشعر الأبناء بأنهم محبوبون ومرغوب بهم، وأنهم موضع إعزاز للأسرة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان المناخ الأسري يسوده الاستقرار والتماسك. فالأسرة هي القادرة على تنمية هذا الشعور بالعطف والتضحية والمحبة، وهي التي تتولاه بالنماء، مما يسهم في استقرار الحياة النفسية والاجتماعية للأبناء، فيما يتعذر إشباع هذه الحاجات في المناخ الأسري المضطرب المشحون بالقلق والصراع والخوف.
كما تلعب الأسرة دورًا رئيسًا في إشباع الحاجة إلى الانتماء الأسري، إذا كانت مترابطة ومنسجمة ومستقرة وحريصة على كيان أفرادها وتسودها المحبة والتفاهم. أما إذا لم تتمكن من إشباع الحاجة إلى الانتماء الأسري لدى الأبناء، تولدت لديهم المشاعر بالغربة عن الذات وعن الأسرة وعن المجتمع بعامة.
وعلى الوالدين مساعدة أبنائهم على تكوين اتجاهات إيجابية نحو ذواتهم ونحو الآخرين بما يحقق التوافق النفسي لهم (بمقابل سوء التوافق مع الذات ومع الآخرين). هذا فضلاً عن ضرورة إشباع الحاجة إلى الاحترام والتقدير وتقبل الأبناء كما هم، ومساعدتهم على احترام الآخرين وعلى تحقيق ذواتهم والاستماع لهم، حتى يتحقق لديهم الشعور بالثقة بالنفس وبالمرغوبية الاجتماعية (بمقابل الشعور بالاضطهاد والنبذ والكراهية والانتقام).
ويعمل المناخ الأسري الصحي على إشباع الحاجات الفسيولوجية والاجتماعية للأبناء بطريقة متوازنة وسوية دون إفراط أو تفريط، وفي ضوء أولويات تلك الحاجات، فيما يعمل المناخ الأسري المضطرب والمتصدع على سوء إشباع تلك الحاجات أو عدم إشباعها إلى حد قد يدفع الأبناء نحو السلوكيات الجانحة وغير المقبولة اجتماعيًا.
كما ينبغي أن يغرس الوالدان القيم الدينية في نفوس الأبناء كالإيمان بالله وبالقضاء والقدر، وتبصيرهم بالحلال والحرام، وتوجيههم إلى العمل الخير النافع وتعليمهم الشعائر الدينية، وحثهم على مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة والخوف من الله وحب الخير للآخرين كما يحبونه لأنفسهم، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
وتنمية الشعور بالمسؤولية تجاه الجار ورعايته، وصلة الرحم والرحمة بالضعفاء، فضلاً عن تبصير الأبناء بمسؤولياتهم إزاء أنفسهم وأهلهم ومجتمعهم.. غير أننا نلمس بعد الأسرة المسلمة المعاصرة عــن الــديــن وعــن الالــتـــزام بالإســلام قـــولاً وممـارسة، فــالأبنــاء قــد لا يجدون في آبائهم وأمهاتهم القدوة الصالحة ليقتدوا بها، بل قد يجدون فيها أحيانًا قدوة سيئة تمارس الرذيلة، وتنشئهم على الانحراف، وتعزز لديهم السلوكات الجانحة.
وتنعكس التنشئة الاجتماعية السليمة على التوافق النفسي والاجتماعي السوي للأبناء، غير أن فشل الوالدين وعجزهم عن أداء دورهم الرئيس في تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة يؤدي إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي لهم، الأمر الذي يفضي إلى حالة من التفكك الأسري والتصدع العائلي. فقد بينت نتائج الدراسات
أن معظم الجانحين الذين ينحدرون من أسر متصدعة لا يحبون آباءهم ولا يثقون بهم ولا يشعرون بالارتياح معهم، ويتمـنون لو كانوا أبنــاء لأسر أخـرى، كما أنهم يشعرون بعدم الرضا عن أنفسهم وبالفشل والإحباط واليأس والضياع والعصبية. وفيما يتعلق بأسلوب تعامل آبائهم معهم، أشار الجانحون إلى أنه يسوده الإهمال أو القسوة الزائدة والتذبذب في المعاملة وعدم الاكتراث بسلوك أبنائهم. ويذكر أن
حوالي (73%) من هؤلاء الجانحين يقضون يومهم في الشوارع،
وأن حوالي (87%) منهم يتأخرون في العودة إلى المنزل ليلاً،
وأن حوالي (58%) منهم يمضي الليل خارج المنزل ولعدة أيام، دون إبلاغ الوالدين. ولدى مقابلة الوالدين تبــين أنهم لا يعـرفون شيـئًا عن سلوكات أبنائهم، أو أنهم يعرفون ولا يريدون التشهير.
كما تبين أن هؤلاء الجانحين كانوا قد تعرضوا لأساليب معاملة والدية خاطئة يسودها الحرمان والإهمال والإحباط، وأساسها النبذ والعقاب الصارم وعدم الحب والتناقض في التعامل بين القسوة والحماية الزائدة التي تصل الرقابة فيها إلى حد التقييد الزائد للحرية أو حد الإهمال والسلبية، والانحلال الأخلاقي للوالدين أنفسهم، وضرب النموذج السيئ لأبنائهم، وتضارب سياسة الوالدين في تربية الأبناء وعدم إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية.
وقد تحول وفاة الأب أو غيابه عن البيت لفترة طويلة دون التنشئة السليمة، إذ قد يحصل الأب على عقد عمل خارج البلاد، ولمدة طويلة، أو قد يغيب عن البيت ساعات طويلة يوميًا، وتبقى الأم هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن تربية الأبناء وتلبية احتياجاتهم، أي أنها مطالبة بأداء دور الأم ودور الأب الغائب. وقد تزيد هذه المسؤولية على طاقتها، فتفشل في أداء أحد الدورين أو كليهما، وعندها يدرك الوالدان أن نقود الأب الغائب لم تجد في تحصين الأسرة من احتمالات الاضطراب أو الانهيار، ذلك أن الأبناء يحتاجون إلى عطف الأب وتوجيهه وحزمه ورقابته ويقظته بالقدر الذي يحتاجون فيه إلى عطف الأم ومحبتها ودفئها.
يتضح مما سبق، أن فشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة لأبنائهم ينعكس سلبًا على الصحة النفسية والاجتماعية للأبناء والأسرة بأكملها، فلا شك أن الابن المريض نفسيًا واجتـمـاعـيًا ما هو إلا سفير لأسرته المريضة نفسيًا والمتفككة اجتماعيًا، أي الأسرة التي يتوجب لها العلاج.
رابعًا: الفقر والبطالة:
وهكذا يمكن القول: بأن الزوج هو المطالب بتوفير الحياة الكريمة للأسرة وبتجنيبها البحث عن طرق غير مشروعة لتأمين احتياجاتها تحت وطأة الفقر والحرمان والبطالة.. ويعد الفقر والبطالة في كثير من المجتمعات مسؤولان عن الأزمات الأسرية، إذ يؤديان إلى عدم إشباع الحاجات الفسيولوجية لأفراد الأسرة، وقد يدفعان الأب إلى ممارسة بعض أشكال الانحرافات السلوكية كالإدمان على الكحول أو المخدرات، هروبًا من مواجهة المسؤولية، أو كاللجوء إلى مزاولة أعمال يحرمها القانون ويزج بصاحبها في السجون، كالسرقة أو الاتجار بالمخدرات وغيرها.
وقد يؤدي الفقر إلى تشرد الأبناء أو مزاولتهم التسول في ضوء الحاجة المــادية أو العمل في سـن مبكــرة في أمـاكن خطرة، كالبيع بين السيارات وعند الإشـارات الضــوئية، أو في المدن الصناعية التي قد تستغل حداثة سنهم فيقعون في فخ الانحراف الاجتماعي، هذا فضلاً عن حرمانهم من فرصة التعليم، وقد تجد الأم نفسها مضطرة إلى التسول أو إلى العمل خارج المنزل، ويبقى الأبناء عرضة للضياع دون مربٍ أو موجهٍ، وقد يؤدي عملها إلى نشوء الشقاق والنزاع مع الزوج.
ومع الفقر والبطـالة تضـطر الأسرة إلى العـيش في المناطق المكتظة وفي مساكن غير صحية، تسبب الأمراض وتضاعف احتياجات الأسرة، مما يؤدي إلى نشوء التوتر والنزاع بين أفراد الأسرة وبخاصة بين الكبار والصغار. ولعل ضيق المسكن يكون سببًا في ضعف رقابة الوالدين على أبنائهم، إذ قد تضطر الأم إلى دفع أبنائها إلى الشارع حتى ترتاح من إزعاجهم، مما يفضي إلى تعلمهم السلوكات المنحرفة جراء خروجهم دون رقابة
ولعل من أبرز المظاهر السلبية للفقر والبطالة وعجز الأب عن الإنفاق على الأسرة، تدني مكانة الأب وضعف سيطرته على زوجته، وبالتالي فقدان السيطرة على أفراد الأسرة عمومًا. ويقابل ذلك تدعيم لدور الأم ومكانتها، مما يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار التي تعيشها الزوجة، وتبدو في صورتها القهرية في الأسر الفقيرة ذات الدخل المتدني، حيث تتنوع مظاهر الصراع، ويصبح عجز الزوج عن الإنفاق سببًا في أشكال التوتر داخل الأسرة. وتحمل الزوجة زوجها مسؤولية فشله في المساهمة في الإنفاق على الأسرة، مما يصعد حدة الخلافات، وينعكس ذلك بصورة مباشرة على عدم الاستقرار الزواجي الذي قد ينتهي بالطلاق.
خامسًا: عمل المرأة:
ولا شك أن عمل المرأة خارج المنزل يؤدي إلى اختلال دورها الأمومي، فمن العسير أن تتمكن من القيام بمسؤوليتها الطبيعية كأم لأبنائها وفي الوقت ذاته تؤدي عملها في الخارج.. وفي أغلب الأحــوال، إن لم يكـن في جمــعيها، يكون عمل المرأة في الخارج على حساب أبنائها، فنجدهم محرومين من مقومات النمو النفسي، كما أسلفت، أما فيما يخص نموهم الجسمي فيكون اهتمامها موجه نحو شراء علب الحليب المجفف وتحضيره وإعطائه للطفل لإسكاته.
ويعد عمل المرأة تهـديدًا لاستــقـرار بيت الزوجية لما قد يكتنفه مـن إهـمال للــزوج ومـن إثــارة وســوء معاملـة وابتـزاز من رب العمل، مما ينعكس سلبيًا على الاستقرار الزواجي.
وقد يؤدي عمل المرأة أحيانًا إلى عدم الاستقرار الزواجي في ضوء ما يسببه دخل المرأة من كيان اقتصادي، يضفي على المرأة قوة، يرفضها الزوج، فيسعى إلى منعها من العمل والدخول في طاعته، ذلك أن الإسلام حدد الحقوق الشرعية للزوج على زوجته ومنها حق الطاعة والقرار في بيت الزوجية، مما يؤدي إلى الصراع بين الزوجين الذي قد ينتهي بالطلاق.
ومن جهة أخرى فإن عمل المرأة يضعف قوامة الرجل في النفقة، فهي تكسب مالها بنفسها، وقد تعبر عن الاستغناء عن الزوج ماديًا، كما قد تعبر عن قدرتها على الإنفاق على أبنائها في حال طلاقها.. وتشير الممارسات الواقعية إلى حدوث النزاع بين الزوج والزوجة على راتبها الشهري عندما تعمل خارج المنزل، فقد يستولي الزوج على كامل راتبها بحجة الإنفاق، وقد يطالبها بدفع أجرة البيت أو بدفع نصف راتبها إلى غير ذلك مما قد يفضي إلى النزاع والشقاق الدائمين.
وعلى الرغم من أن التصنيف التقليدي لأعمال الرجال وأعمال النساء في البيت لا يزال موجودًا، إلا أن هذا التصنيف بات أقل تحديدًا عما كان عليه في الماضي، فقد أصبح الزوج يشارك في بعض الأعمال البيـتية، وقد ترفض الزوجة مساعدة زوجها في أعمال البيت ظنـًا منها أنه سيصبح منافسًا لها في مجال تفوقها، ومن هنا ينشأ الشجار والنزاع بينهما نتيجة الاختلال في توزيع الأدوار أحيانًا، وطموح المرأة إلى التحرر والمساواة التامة مع الرجل، أحيانًا أخرى.
سادسًا: الخدم في الأسرة:
إلى وجود حوالي مليون خادم فيها، ويذكر أن وجود الخدم في الأسرة ظاهرة انتشرت في دول الخليج العربي منذ قديم الزمان، عندما كانت الأسر الكبيرة تعتمد على الخدم في حضانة الأبناء وتربيتهم، وتقديم الخدمات المنزلية اليومية من طبخ وتنظيف وكي وغيرها، ومع مرور الزمن أصبحت الأعمال المنزلية لا تمثل واجبًا أساسيًا، على المرأة أن تؤديه، لذا تحولت هذه الأعمال إلى الخادمة دون أن تفقد الزوجة دورها الاجتماعي كربة بيت. وبالمقابل توجهت المرأة إلى أعمال بديلة كالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاستقبالات والتنزه والعمل خارج المنزل، وهي مطمئنة لوجود بديل لها في المنزل.
ونتيجة لذلك، دخلت الخادمة النسيج الأسري وأسندت إليها، بصورة جزئية أو كلية، مهمة تربية الأطفال وتأمين حاجاتهم البيولوجية والعاطفية من عطف وحنــان وأمومـة فأصـبحت بذلك أمًا بديلة، قد يتعلم الطفل منها لغة غير لغته، وقد يتعلق بها عاطفيًا، وقد يصبح اتكاليًا وغريبًا عن بيـئته الحقـيقية، لا بل قـد يعبد ما تعبده، فبعض الخادمات يحملن آلهتهن معهن. فمنهن من تعبد لوحة أو شمعة أو بقرة...إلخ، فيتعلم الطفل منهن ما يبعده عن دينه الحنيف فتفسد فطرته.
وقد يستغرب بعضهم
القول:إن ظاهرة الخدم جاءت نتيجة لضغوط اجتماعية معينة، حتى أن الأسرة التي ترفض وجودهم لأسباب وجيهة، غالبًا ما تتهم بالبخل والتقتير. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تعزيز دور الزوج الآمر الناهي في البيت على حساب الزوجة، في حين وجدت الزوجة من الخادمة متنفسًا مقبولاً (اجتماعيًا) لانفعالاتها، الأمر الذي قد يفسر إصرار الزوجة على وجود الخادمة على الرغم من عدم رضاها عنها.
ويمكن القول بغياب الوعي بالآثار السلبية لوجود الخدم في الأسرة، فقد ظهرت الخادمة كأم بديلة قادرة على القيام بالأعباء المنزلية وعلى إشباع الحاجات الأساسية للأبناء، فضلاً عن تعلق الأبناء بها عاطفيًا إلى حد يمكن معه القول: بأن اعتماد الأبناء عليها بات مهددًا لمفهوم الأمومة الحقة، فحتى عندما يطلب الطفل من أمه شيئًا، نجدها تأمر الخادمة بإحضاره له. ولا شك أن أسلوب الأخذ والعطاء يعد من الأمور المهمة في تعزيز الرابطة بين أفراد الأسرة الواحدة، وعليه فإن وجود الخادمة كعامل وسيط دائمًا بين الأم وابنها قد تكون له آثار سلبية تتضح في اهتزاز علاقة الأمومة بينهما.
ومن السذاجة أن يطمئن الوالدان إلى وجود الأبناء مع الخادمة طيلة اليوم، فمعظم الخادمات يأتين من أسر غير مسلمة ومن خلفيات اجتماعية مجهولة لدى الأسر التي يعملن بها، وقد تعرض العديد من الأطفـال لإســاءة معــاملة وابتزاز لا أخلاقي من الخدم، كما تعرضوا للإهمال والعنف الجسدي بعد غياب الوالدين، خصوصًا إذا كانت الخادمة لا تتلقى معاملة طيبة من ربة البيت، فنجدها تحول العدوان إلى الأبناء انتقامًا من الأم.
كما قد يتعلم الأبناء القيم والسلوكيات غير المقبولة اجتماعيًا ودينيًا، وينشأون على جهل بقيمهم الإسلامية وبلغتهم العربية وبهويتـهم الوطــنية، مما يؤدي إلى تفريغ الأسرة من محتواها الخلقي والقيمي والوطني. وتكشف الملاحظات الواقعية حــالات من ارتكاب فــاحشة الزنـا مع الخادمة جراء خلوة الزوج بها، مما يؤدي إلى تمزيق أواصر الأسرة وتشتيت شملها عندما يذاع الخبر ويعلم به الآخرون.
وجدير بالذكـر أن الأصل في الخادم أن يكون مسلمًا ممن لا يشتهي النساء، أو من المحارم.. وإذا كانت الزوجة سليمة من الأمراض ومثلها يخدم في بيت أبيه، وزوجها موسر، يلزم الزوج أن يخدم زوجته وإن احتاجت أكثر من خادم على المشهور..
وإذا كانت الزوجة سليمة من الأمراض وممن لا تخدم في بيت أبيها، وزوجها معسر، فعليها أن تقوم بالأعباء المنزلية كغيرها من النساء، وقد عبر المالكية عن ذلك بقولهم: "إن لم تكن الزوجة من أهل الإخدام، كأن لا تكون من أشراف الناس بل من لفيفهم، أو كان زوجها فقيرًا، ولو كانت أهلاً للإخدام، تلزم الزوجة الخدمة في بيتها بنفسها أو بغيرها"
ولما كانت العلاقات الزوجية في الإسلام مبنية على المودة والتعاون، فعلى الزوجة أن تقدر أوضاع زوجها، وإذا كانت تريد الجنة فعليها أن تقتدي بأمهات المؤمنين وزوجات الصحابة، رضي الله عنهن، اللاتي كن يؤدين الأعمال المنزلية.. فهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تقول: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه. قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى، وأستقي الماء، وأخرز غَرْبَه وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز فكانت تخبز لي جارات من الأنصار وكن نسوة صدق.
وقــد شكت فاطــمة رضــي الله عنــها ما تلقى من أثــر الرحــى في يدها، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادمًا، فلم تره، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء ذكرت له، قالت: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: مكانك، ثم جلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أخذتما مضاجعكما، فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكم من خادم".
وبعد، فهذه فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، رضي الله عنها، تخدم بيتـها وتجد أثر الرحى في يدها من التعب، وهذه أسماء بنت أبي بكر، ذات النطاقين تقوم بعمل شاق من علف للفرس وسقاية الماء فضلاً عن أعباء البيت.
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يساعد زوجته في أعمال المنزل، فعن عائشة رضي الله عنها أنها لما سئلت: "ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".
وبعد، فهذه حقوق أوجبها الإسلام على الزوجـية،
إذا أداهــا كل من الزوجين يحل الوفاق محل الفرقة، وتحل المحبة محل الكراهية، وتخيم السعادة والاستقرار والتفاهم على الحياة الأسرية، ولن يحدث، بإذن الله، ما يعكر صفوها.
سابعًا: الطلاق:
ويرتبط الطلاق بالصراع بين الزوجين وعدم الانسجام النفسي بينهما وبعمل المرأة (في كثير من الأحيان)، وبعدم قدرة الزوج على الإنفاق، وبالتالي عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية.. ومن المؤسف حقًا أن معدل الطلاق في معظم البلدان العربية الإسلامية آخذ في الازدياد، ففي دولة الكويت مثلاً، يشير الكندري
إلى أن ما يقرب من نصف الذين يتزوجون سنويًا ينتهون بالطلاق، وأن ثمة نسبة عالية من الانفصال التام المشابه للطلاق.
ولا شك أن الطلاق يعد من العوامل الرئيسة لانحراف الأبناء وتشـردهم وضياعهم وتشتت أفراد الأسرة، فعندما يفتح الطفل عينيه على الحياة ولا يجد أمًا تحنو عليه ولا أبًا يرعاه، فإنه سيؤول إلى الضيــاع والتشــرد..
ولــن يكون حــال الأبـنــاء بأفــضــل من ذلك إذا ما تزوجت المطلقة من رجل آخر لن يقبل رعاية أبناء الزوج الأول، هذا فضلاً عن تولد مشاعر القلق والخوف لدى الأمهات على مستقبلهن ومستقبل أبنائهن. ولما كان التماسك الأسري والاستقرار الزواجي يقتضي وجود أسرة متكاملة متحابة متعاطفة، فإن انفصال الزوجين بالطلاق أو حتى بغياب أحدهما لفترة طويلة سيؤدي إلى الحرمان العاطفي للأبناء، والفشل في تكوين القيم الاجتماعية لديهم، وشعورهم بالقلق وعدم الثقة بالذات وبالآخرين. ويشير الكندري
إلى أن الطلاق يؤدي إلى أشكال من التفكك الأسري تظهر على هيئة مشاعر عميقة بالتهديد والخوف والمعاناة من الاضطرابات التي ترافق الطلاق، والصراع العاطفي لدى الأبناء بين حب الوالدين وعدم قدرتهم على التحيز لطرف منهما دون الآخر، ووقوع الأبناء فريسة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الوالدين، مما ينعكس سلبًا على شخصياتهم المستقبلية، أزواجًا وآباء، وعلى نظرتهم إلى ذواتهم والآخرين والمجتمع الإنساني بعامة.
ويرتبط الهجر بالطلاق.. ويعني الهجر ترك العلاقة الزوجية والتفكير في إنهائها أو التهرب من مسؤولياتها، وغالبًا ما يتم الهجر بترك أحد الزوجين الحياة الزوجية جراء النزاع والخلاف بينهما، وقد يتم الهجر دون أي اتفاق مسبق بين الزوجين.
وتكشف الإحصائيات
ارتفاعًا في معدلات الهجر في السنوات الأولى من الزواج، لا سيما في حال عدم وجود الأبناء الذين قد يسهمون في دعـم الحياة الأسرية وإعادة الأمور إلى مجاريها، ولا شك أن للهجر آثارًا سلبية تنعكس على تشتت الأبناء وضياعهم وتشردهم وانحرافهم وبالتالي تفكك الأسرة عمومًا.
ثامنًا: الخيانة الزوجية:
يعد وفاء الزوجين من الدعائم الأساس للاستقرار الزواجي والسعادة الأسرية، وبالمقابل فإن الخيانة الزوجية والإشباع العاطفي خارج حدود الزوجية يعد من العوامل الرئيسة في هدم البناء الأسري وانهياره وتقويض دعائمه وبالتالي في إنهاء العلاقة الزوجية وحدوث الطلاق.
وتعد الخيانة الزوجية خروجًا عن الحقوق الشرعية للزوجين، فالأصل هو الوفاء الزواجي، مصداقًا
لقول الله سبحانه وتعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (الـمؤمنون:5-6)، ولقـوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته"
وتشير الآية الكريمة إلى الحقوق المشتركة للزوجين من إخلاص ووفاء وعمق المودة والسكن بينهما، كما يشير الحديث الشريف إلى أن على الزوجة أن تحفظ عرض زوجها بحفظ عرضها وشرفها.
وقد ترتبط الخيانة الزوجية أحيانًا بفقدان الإشباع الزواجي، فالزواج هو البيئة الشرعية لكسر الشهوة، وقد عني الإسلام بالزواج وحث عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"
،كما جعل أداءه عبادة وصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صـدقة، قــالــوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"
وأوجب على الزوجة أن تعف زوجها وتحصنه من كل سوء،
قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضـبان علــيها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"
ويعد الزواج نعمة تفضي إلى التمازج النفــسي بين الزوجين، عبر عنها الله سبحــــانه وتعـالى بقـوله: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (البقرة:187).
وقد حرص الإسلام على حماية العلاقة الزوجية من أية خيانة تصدر عن أي من الزوجين، فجعل عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت لمن يقترف جريمة الزنا ويخون زوجه خيانة صريحة بشهادة أربعة شهود. كما شرع إقامة الحدود على كل ما من شأنه زعزعتها أو الاقتراب من سياج الزوجية بسوء، وقد جاء ذلك كله حفظًا للأنساب وللأسرة من الضياع والتشرد وتحصينًا للبناء الأسري من التفكك.
تاسعًا: تحديات العولمة والإعلام:
وبالنظر إلى الجانب الاجتماعي للعولمة، نجد أنها تهدف إلى القضاء على بنية الأسرة وهدمها واقتلاعها حتى تتعطل عن إنتاج الأسر المسلمة، ومحو خصوصيتها المميزة على المستوى الأسري، والقضاء على الإسلام من خلال تفكيك الأسرة المسلمة، والبدء بالمرأة باعتبارها الأساس في البناء الأسري، فظهرت الدعوات إلى تحريرها، كما تم عقد المؤتمرات الدولية التي تستهدف الأسرة والمرأة، منها مؤتمر مكسيكو، ومؤتمر كوبنهاجن، ومؤتمر نيروبي، وآخرها مؤتمر بكين عام 1995، الذي أفضت قراراته إلى:
أ- تهميش دور الأمومة والزوجية داخل البيت باعتباره دورًا غير مربح.
ب- الدعوة إلى تقاسم الزوج والزوجة الأعباء المنزلية وتربية الأطفال، واعتبار الزوجية والأمومة قهرًا للمرأة.
ج- تهميش دور العلاقات الأسرية والتماسك الأسري، والنظر إلى الزواج على أنه علاقة جنسية بين طرفين، كل له استقلاليته وحقوقه.
د- تقبل المجتمعات ارتكاب فاحشة الزنا وعدم استهجانها، ومساعدة المرأة على الإجهاض بصورة قانونية.
هـ- الاعتراف بالممارسات الشاذة وغير المشروعة (في ديننا الحنيف) والترويج لها، ومطالبة الحكومات بإيجاد التشريعات التي تسمح بذلك دوليًا، والتي تروج حاليًا تحت مسميات "الصحة الجنسية" و"الصحة الجسدية" و"الصحة الإنجابية"... إلخ.
وتكمن خطورة وثيقة مؤتمر بكين في إلزام الدول بتطبيق بنودها بمقابل تمويلها وسد ديونها، من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الزراعية.
تحــديــــات العـصــر
وتعد وسائل الإعلام وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) من أبرز التحديات أمام تماسك البناء الأسري، إذ تكشف الملاحظات الواقعية تهافت الشباب نحو مشاهدة الأفلام العربية والأجنبية والبرامج المتنوعة، في التلفزيون والإنترنت وفي بعض القنوات الفضائية التي تنشر الانحلال الأخلاقي والميوعة عند الشباب، وتعزز تقليد الأطفال والشباب للممارسات غير الأخلاقية التي يشاهدونها، وعدم استهجانها، وتقبلها، وتمردهم على القيم الدينية والعادات الاجتماعية السائدة، والسخرية من رجال الدين، وتفشي الرذيلة، والتشكيك في قيم الأمة ومعتقداتها ومكنوناتها.ومن مظاهر العولمة التي بدأت تتفشى في العالم الإسلامي تقليد الأسرة الغربية وتمثل قيمها دون وعي بسلبيات الأسرة الغربية ومزايا الأسرة المسلمة.
فقد كانت الأسر الممتدة هي الشكل الأسري السائد في المجتمع العربي الإسلامي إلى حد قريب، وكانت الأسرة المسلمة تمتد لتشمل الأجداد والأبناء والأحفاد، وكان التماسك والترابط بين أفراد الأسرة الممتدة كبيرًا، حيث صلة الرحم وبر الوالدين واحترام الكبير والعطف على الصغير.. وكان الطفل واثقًا من نفسه ومن الآخرين من حوله، يبادلهم الحب بالحب والرعاية بالاحترام والتقدير.
ولكن الحال لم يعد كذلك اليوم، فقد أخذ نظام الأسر النووية في الانتشار بمعدلات سريعة في جميع أقطار وطننا العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، تقليدًا للغرب. وتحول الاهتمام إلى الأسرة الصغيرة بتوجيه من الأب والأم الذين بدءا يكونان كيانًا متقوقعًا انعزاليًا. وسيطرت الاهتمامات الفردية والمصالح الشخصية على أفراد الأسرة، على حساب الاهتمام الجماعي والترابط الأسري والشعور بالمودة والتراحم والتعاطف تجاه أفراد الأسرة الآخرين، فانقطعت صلة الرحم وتفشى عقوق الوالدين والتمرد عليهم، واشتد الصراع بين أفراد الأســـرة، واتســعت الهــوة بين الآباء والأبناء وظهر على السطح ما يسمى بصراع الأجيال، واستعصى في حالات كثيرة على الحل، وبذا ضعف التماسك الأسري وفقد مناعته، وتقلصت مهمة الأسرة إلى حد الرعاية الجسمية دون التربية الاجتماعية والنفسية والدينية.
كما ساد الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية، فصار الهم الأكبر لأفراد الأسرة يتمثل في كسب المال وشراء الأثاث والسيارات الفاخرة والسفر والرحلات وإقامة الحفلات والسهرات، وبدأت الأسر تتفاخر في ممتلكاتها المادية، وانعكس ذلك على القيم الاجتماعية السائدة، حتى أصبح تقييم المجتمع للفرد يعتمد على ممتلكاته المادية ومظهره الخارجي على حساب الجوانب الأخرى لشخصيته. ويتفاوت أثر العولمة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية من بلد لآخر، ومع ذلك يمكن القول: بأن تحديات العولمة تقتضي إبداعات فكرية، وتنويرًا أيديولوجيًا مستمرًا، وتنويرًا فقهيًا يساعد الأسرة على شق طريقها وسط هذه التحديات بأمان واقتدار.
عاشرًا: الزواج بغير المسلمة:
بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} (المائدة:5)، وأكد ضــرورة أن تكــون الزوجة محل ثقة الزوج؛ يأمنها على شرفه وأبنائه ومتاعه، ولكن الزوجة غير المسلمة موكولة إلى طبيعتها وما تربت عليه في أسرتها من عادات وتقــاليد وقيم اجتماعية، تختلف عن عادات وتقــاليد وقيم زوجها في البلاد العــربية والإسلامية..
وجدير بالذكر أن المرأة غير المسلمة ستعمل على تربية الأبناء وتنشئتهم وإكسابهم العادات والقيم التي تربت عليها، فيكون الأبناء ضحية هذا النوع من الزواج، فقد يتعلمون لغة أمهم على حساب اللغة العربية، وقد تحول الأم دون ممارستهم شعائر الدين الإسلامي، بل قد تعلمهم شعائر دينها ومعتقداتها، ممايثير النزاع بين الزوجين الذي قد ينتهي بفرار الزوجة إلى بلدها ومعها أبناؤها، وهناك تجد الحماية القانونية لها ولهم، ويحاول الزوج جهده لإعادة أبنائه دون جدوى، فتتشتت الأسرة ويضيع الأبناء.
وجدير بالذكر أن المرأة غير المسلمة ستعمل على تربية الأبناء وتنشئتهم وإكسابهم العادات والقيم التي تربت عليها، فيكون الأبناء ضحية هذا النوع من الزواج، فقد يتعلمون لغة أمهم على حساب اللغة العربية، وقد تحول الأم دون ممارستهم شعائر الدين الإسلامي، بل قد تعلمهم شعائر دينها ومعتقداتها، ممايثير النزاع بين الزوجين الذي قد ينتهي بفرار الزوجة إلى بلدها ومعها أبناؤها، وهناك تجد الحماية القانونية لها ولهم، ويحاول الزوج جهده لإعادة أبنائه دون جدوى، فتتشتت الأسرة ويضيع الأبناء.